المتواجدون حالياً :16
من الضيوف : 16
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 74511348
عدد الزيارات اليوم : 6798
أكثر عدد زيارات كان : 216057
في تاريخ : 18 /04 /2019
بعد نضالٍ استمر لسنوات، لعمال العقود في قطاع الكهرباء، عبر التظاهرات والاعتصامات وأشكال مختلفة من الاحتجاجات، أرغم مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير على توظيف ٣٣ ألف عامل عقود على الملاك الدائم، وفي الاجتماع أيضاً، تقرر، تلبية مطالب عمال وموظفي الصحة الذين أعلنوا عن إضرابِهم قبل أسبوع.
وفي هذه المناسبة وعبر هذه الصحيفة نُهنّئ عمال العقود في القطاع الكهرباء وعمال وموظفي الصحة على تحقيق مطالبهم العادلة.دروسٌ مهمة يجب استلهامها من عمال العقود وعمال وموظفي الصحة، وهي التنظيم والشكل الاحتجاجي والصفّ المستقل والمحتوى الطبقي للسُلطة السياسية. لقد كان العمود الفقري لجميع الاحتجاجات الجماهيرية في العراق بشكلٍ عام، والمُدن الجنوبية بشكلٍ خاص، العاطلون عن العمل وعمال العقود في مختلف القطاعات، مثل الكهرباء والبلديات والنفط، وغيرها، خلال السنوات المنصرمة من عمر سُلطة الإسلام السياسي، الوفية والأمينة للمؤسسات المالية التابعة للإمبريالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصندوق التنمية الأمريكي وبنك الاتحاد الأوروبي، لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية، لتَنصلِ الدولة من مسؤوليتها تجاه المجتمع، في التعليم والصحة والخدمات، وتوفير فرص العمل، بيد أن الفارق الوحيد بين احتجاجات عمال العقود والاحتجاجات الجماهيرية الأخرى، هي أنها كانت مستمرة، سواء لوحدها وبصفِّها المستقل، وبمعزلٍ عن وجود تلك الاحتجاجات في حال غيابها أو الانخراط فيها بشكلٍ واعٍ، ومشاركة مطالبها من أجل توفير الخدمات ومُحاربة الفساد، مؤمنةً بأنّ من يسلِبُ حقَّ الجماهير، بتوفير الخدماتِ لها، وسرقةِ أموالها ونهبها، هو نفسه الذي يماطل ولسنواتٍ بعدم توظيفهم على المِلاك الدائم، لإبقائهم تحت خط الفقر، حيث يتقاضى عامل العقد ٣٠٠ ألف دينار شهرياً، مع ضمان عدم حصولهم على الضمان الاجتماعي والتمتع بالإجازات وبدل الخطورة والسلامة المهنية ومخصصات الأطفال والزوجية والتقاعد، وغيرها من الحقوق، لأنه سيقلِلُ من حصّةِ السلب والنهب والسرقة. عليه أن السُلطة ادركت أن عمال العقود يلعبون دوراً محورياً في إبقاء جذوة الاحتجاجات مشتعلة، ومهما مارست من قمعٍ بوليسي ومن حملةٍ إعلامية وسياسية ضدّ الاحتجاجات تحت ستار: تقفُ خلفها مؤامرات خارجية وأيادٍ خفية ومندسين، إلّا أنها لن تتمكن من قمع احتجاجات عمال العقود التي انفردت وخلال هذه السنوات بصفِّها المستقل. من جهةٍ أخرى، وهذهِ هي نقطة مهمة يجب الوقوف عندها، إن احتجاجات عمال العقود في قطاع الكهرباء وحتى في القطاعات الأخرى لم تنحرف عن مسارها وعن مطالبها، ولم تنجرف وراء خداع التيارات الإسلامية التي ركبت أكثر من مرّةٍ الاحتجاجات، ولوت عنقها وأفرغت المطالب من محتواها، أو الأوهام التي نثرها دُعاة الديمقراطية الجُدد بعد أن ضاق عليهم ثوب الشيوعية فمزّقوه وتنكروا لماركس والماركسية ،وتحت عناوين: أنها طوباوية وغير واقعية، ولا توجد طبقة عاملة في العراق، ودعوتهم المستمرة لتشجيع القطاع الخاص، وكأن القطاع الخاص يمتلكُ عصا سحرية، تجلِبُ الرفاه والعيش الكريم، متناسين أن مطالب العمال، سواء كانوا في القطاع العام أم الخاص، تريدُ شيئاً واحداً: حياة حرّة وكريمة، ولن يهمهم إن كان هناك اقتصادُ سوق أم اقتصادٌ تديرهُ الدولة، لأنهم ببيع قوّة عملهم وفي كلا القطاعين فقط، يستطيعون كسب رزقهم من أجل بقائهم احياء ، هم وأسرهم. نلاحظُ في كلا القطاعين، سواء أكان خاصّاً أم عامّاً، أن مصّاصيْ عرق العمال هم أنفسُهم مع تغيير هويّاتِهم، سواء كانوا بيروقراطيين في الدولة، كما كان في حال نظام البعث الذي حكم العراق ما قارب الثلاث عقود، أو البرجوازية الجديدة، أصحاب شركات الاتصالات والمقاولات والسمنت والنفطية والمصافي والشركات التجارية،التابعة لمسئولي الأحزاب والقوى الإسلامية والقومية المستحوذة على السُلطة اليوم في العراق.
أمّا الدرس الآخر هو التنظيم الذي سعى إليه عمال العقود، فلم يسمحوا لأي طرفٍ بتخريب وحدتهم الى جانب الدفاع والحفاظ على شعارِهم، ومطلبهم الوحيد،التوظيف على الملاك الدائم. لم يخلِطوه بشعارات ومطالب عديدة، وهذا كان سَّر قوة توحيد صفِّهم حول المطلب المذكور، وكان بالنسبة لعمال العقود هو الخطوة الأولى، في حال تحققهِ، للتقدم نحو الأمام. اتبع عمال العقود أشكال نضالية متنوعة، وهذا هو الدرس الآخر، حيث لم يستسلموا الى شكلٍ مُحدد، فلقد ذهبوا الى التظاهرات، وبعد ذلك نظّموا اعتصاماتٍ، سواء عبر نصب الخيام أمام أماكن العمل أو في الساحات العامّة، وفي أماكن أخرى، وقطع الطُرق لإسماع أصواتهم ومطالبهم الى اصحاب القرار. كانوا يعملون بأشكالٍ مختلفة لجلب التضامن معهم، سواء الاتصال مع القطاعات العمالية الأخرى أو الأقسام الاجتماعية من المجتمع. لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ مكسب عمال العقود الذي تحقق، لا يعود فقط لاستمرار نضالهم ووحدتهم وصفِّهم المستقل فحسب، بل يعود أيضاً إلى احتجاجات جماهير البصرة بتضحياتها الجِسام، والتي بالرغم من جميع نواقصها ونقاط ضعفِها في الصيف الماضي، لعِبت دوراً بتحقيق تلك المطالب، حيثُ أرعبت كل القوى المتجمعة في العملية السياسية. أخيراً اثبت قرار مجلس الوزراء الأخير الذي أشرنا إليه بتحويل عمال العقود الى الملاك الدائم وتلبية مطالب عمال وموظفي الصحة، بأن سُلطة الإسلام السياسي، كانت غير مستعدة لتحقيق مطالب الجماهير، ليس لأنها قوية ومنسجمة ومتماسكة فيما بينها، والذي جمعها ومنذُ اليوم الأول لاحتلال العراق، عدائُها المشترك للجماهير كي لا تعيش حتى بالحدِّ الادنى من الآدمية، بل لأن الجماهير لم توحِّد نفسها ولم تُنظِّم نفسها حول مطالب مُحددة وواضحة. إنّ السخط والاستياء والرفض يعِمُّ صفوف جماهير العراق بجميع أقسامِها لكن ما ينقصُها هو التنظيم، وتوحيدُ نفسِها حول شعارات ومطالب واضحة وبآفاقٍ مستقلة. هذا ما نتعلمهُ من دروس عمال العقود في الكهرباء.