محمد علي مزهر شعبان
مرّت في وجود هذه الإمبراطورية التي جعلت العالم في فوضى وحروب، ما أن تستقر لوهلة، حتى تنفجر قنابلها الموقوته والمزروعة في أركان الدنيا، وما أن يهدأ النقع من سُرفات دباباتها، وتخمُد خراطيم نيرانها، حتّى تتركُ جمرة تأوّرت، يتلاقفها شيطان الفتنة، لتكون جحيماً . تحرّكت في كلِّ أركان المواطن،
وبيادقها المأجورة، والقلقون من زوال تيجانهم وسطوتهم، من جنرالات طغاة، ومن أشقياء بقبضات حديدية .
رغم قُدرات سّلاحِهم، فقد خسِروا في أضعف الأوطان، القوّية بإرادات الكِفاح. من فيتنام ورفقة الحفاة مع “ هوشي منه “ الى حرب كوريا الى الصومال، وخساراتها الجسيمة في أمريكا اللاتينية وفي سوريا ولبنان . هذه الدولة مرّت بفضائحٍ عديدة، في انتهاك حقوق وإرادة الشعوب وحركات تحررِها. تُلازم من جلس على سِدّة حكمها، كثير من الفضائح على المستوى الأخلاقي، لكنها ما عانت مثلما تعاني إدارتها في عُهدة الرئيس الحالي، حيث (وصل أحياناً الى الانقلاب الإداري والانهيار العصبي في الفرع التنفيذي للمؤسسات الحاكمة في أمريكا . هذا ما جاء في كتاب أشهر صحفي في أمريكا “ بوب وودورد” الذي تبنى فضيحة “ ووترغيت” في مطلع السبعينات ).
قراراتٌ اختلط حابِلُها بنابلِها في عُهدة هذا الرئيس، من مراكز قرارٍ مختلفة، تنفيذية أو استشارية أو دبلوماسية أو حتى عسكرية، ولأسبابٍ مُختلفة، تمّ ابتعادُ الكثيرين عن فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته منذ مطلع العام 2017. سواءٌ استقالوا أم أُقيلوا من قبل سيد البيت الأبيض، فإن النتيجة واحدة، وتشيرُ إلى تغييراتٍ غير مسبوقة في تاريخ الرئاسات الأمريكية . ريكس تيلرسون وزير الخارجية، وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس، ريان زينك وزير الداخلية، جون كيلي الأمين العام للبيت الأبيض، جيف سيشنز وزير العدل، نيكي هايلي السفيرة لدى الأمم المتحدة، سكوت برويت وزير البيئة، غاري كوهن المستشار الاقتصادي، والذي كان الذراع الأيمن لترامب ومحاميه لأكثرِ من عقدٍ من الزمن، والذي فضح كل جرائمه الأخلاقية والمالية . ستيف بانون الخبير الاستراتيجي الذي يُطلقُ عليه مستشار الظل، وكان يحظى بنفوذٍ واسع، والذي لعِب دوراً حاسماً في الحملة الانتخابية الرئاسية التي فاز فيها ترامب، حين أضفى طابعاً شعبوياً على حملة الملياردير. مايكل فلين مستشار الأمن القومي، وكذلك بريت ماكغورك البيدق المتحرك في الشرق الأوسط .
السؤال أين العلّة في مجملِ هذه الاستقالات ؟ هل في الرئيس أم المرؤوسين ؟ حين يتهم الرئيس من التهرب الضريبي والتزوير المصرفي، وانتهاكات في تمويل الحملة الانتخابية.
حين تتدافع العشيقات لإقامة دعاوى التحرش الجنسي، أم قضية الدفعة التي سددها كوهين قد انتهكت قوانين الحملة، أو الأموال التي دُفِعت الى العشيقات مقابل الصمت . رئيس يوصف بأنه سريع الدخول في نوبات غضب، يتفوه خلالها بعبارات بذيئة، ومندفع في اتخاذ القرارات، أم كما قال “ ماتيس”: أن ترامب يتصرف مثل تلميذ في الصف الخامس أو السادس .
قلّةٌ، اختطت الأوراق عندهم، وأصابتهم حمّى المواقف المتذبذبة، أولئك ممن وجدوا أن مصلحتهم ببقاء أمريكا، مُدّعين أن المصلحة تكمنُ في سيفها، لكن هل أدركوا إن ذلك الحسام يقطرُ دماً من ذبح الحقيقة ؟ أمام كُثرةٍ ألت دون أن تُنكر الجميل، وحكّمت الضمير، أدركت أن المحجة البيضاء هي قراءة السجل التاريخي. تلك الفئة القليلة، تدعو الى النأي بالنفس وكأنهُ الخلاص، دون أن تدرك أنهُ قمة الانتهازية، دون أن تعي أن مصير البشرية بثقله ورعبه، هو الموقف الذي يضيف الى رصيد الحقّ، القوّة . كلُّ من يفكر أن يحيا حراً ويسير في دربه، أو كلما واجه الباطل يتلون كالحرباء لتكون خزينتك ووطنك رِهان مشتهياته، كما أدركنا في وقتنا القريب، كيف تُسلب الخزائن والضمائر .
هل أدركتم، مفهوم أن تكون أرضنا منطلقاً للحرب على الآخرين، إذاً أين النأيُ بالنفس ؟ نعم لا نريد مثرمة لحوم، ولكن لتكن الدبلوماسية المدركة، أن يلعبها من فقِه السياسة دون مساومة. إذاً كيف تأمنُ رئيساً نَفَرتهُ حكومته وممثِّلو شعبه؟.