المتواجدون حالياً :45
من الضيوف : 45
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 74570264
عدد الزيارات اليوم : 6416
أكثر عدد زيارات كان : 216057
في تاريخ : 18 /04 /2019
احمد عواد الخزاعيrnتميز أدب ما بعد التغيير في العراق ( بعد 9-4-2003) بغزارة الإنتاج، شعراً، وسرداً (رواية وقصة قصيرة)، وبتعدد الأساليب والمدارس الأدبية، وتباين المستوى الفني والجمالي بين النصوص المطروحة، وتفرد السرد باحتوائه على نسبةٍ كبيرة من الصدق والحقيقة، كونهُ يحاكي الواقع العراقي، بلا محاذير أو بوابات سوداء،
إضافة الى كونه قد تحدث عن المسكوت عنه لعقود، غير أن هذه الفوضى الأدبية التي تجتاحُ الساحة الثقافية العراقية، لا تشكلُ برأيي حالة سلبية، بقدر ماهي تعبير لمخاض أدبي ناتج عن الاضطراب السياسي والأمني والاجتماعي الذي يعيشهُ عراق ما بعد التغيير.rnrnهو وليد ظرف استثنائي سيترشحُ عنه في نهاية المطاف، صفوة من الكُتّاب، قادرين على تمثيل السرد العراقي بالصورة التي تليق بتاريخه المُشرّف، ومن هذا المنطلق سعت الرابطة العربية للآداب والثقافة فرع بغداد الى رفد الساحة الأدبية العراقية بنتاجاتٍ أدبية عبر طباعة مجاميع قصصية ،كان أوّلها (هزيز الفجر)، وصدر لها مؤخراً المجموعة القصصية (بوح النواعير ) التي أشترك فيها ثمانية عشر كاتباً عراقياً. كانت مشاركة المرأة فيها متواضعة، فقد أتسمت نصوص المشاركات الثلاثة، بالبساطة والأسلوب التقريري المباشر، والثيمات المستهلكة. نزعت في معظمها الى الطابع التربوي، وافتقادها الى الكثير من تقنيات السرد، وهذا الضعف في النصوص ينسحبُ أيضاً على بعض النصوص الذكورية المشاركة في هذه المجموعة. يقول الناقد توما تشفسكي : ( إنّ وظيفة السارد هي تحويل الحياة الفجّة الى صورةٍ فنية)، لكن بعض نصوص هذه المجموعة لم ترقى الى مستوى هذه المقولة، وأقتربت من ما اطلق عليها الناقد ياسين النصير (الواقعية الساذجة)، ويبدو إن بعض كُتّابها لم يطلعوا على الأساليب والتقنيات الفنية اللازمة لكتابة نص أدبي، حيث افتقدت نصوصهم الى ( الاختزال، التكثيف، الوصف، التشويق، عنصر الصدمة، الحوارات المقتضبة الموحية، الثيمات المبتكرة ) . يُعرّف جيرالد برنس الحدث السردي : ( هو سلسلة من الوقائع المتصلة، تتسم بالدلالة، وتتلاحق من خلال بداية ووسط ونهاية)، لكن النصوص التي أشرتُ إليها لا تحمل من القصة سوى البعد الأرسطي ( البداية والوسط والخاتمة)، وغاب عنها البعد الدلالي للحدث، وهنا أود الإشارة الى جزئية مهمة وهي، إن العالم بأسره يعيش عصر التجريب في كافة مرافق الحياة.. من علوم وآداب وفنون، وكلّ المنتج السردي العالمي يدور في فلك التجريب، وكما قال الدكتور علي جواد الطاهر : ( سيبقى العالم بانتظار المنجز السردي العظيم)، وأن مهمة النقد في الأدب، النظر بعين الطائر للنص الأدبي، والسعي الى تقويمه وإبراز مكامن الخلل والنجاح فيه، وما ذكرتهُ ماهو إلّا محاولة لدفع هؤلاء الكُتّاب الى مزيدٍ من المثابرة والاطلاع ، للتمكن من أدواتهم السردية مستقبلاً ، غير أن (بوح النواعير) قد احتوت على نصوصٍ ناضجة رصينة لأسماء لها بصمتها في القص العراقي الحديث، استطاعت نصوصهم من إحداث توازن داخل المجموعة، وانتشالها من فخّ الرتابة .. وسأتناول بعض من هذه النصوص:rnأولاً- ( العيادة) صالح جبار الخلفاوي: نص ناضج مفعم بالدوال الحسية والمادية، لغة أنيقة مع عملية تبئير لجزئية مهمة من الواقع العراقي، تحكي قصة ممرض أستغل عيادته الصغيرة لتلبية رغباته الجنسية، مع نساء محبطات متمارضات لكثرة الإرهاصات النفسية اللاتي يعانينها، نتيجة الحروب والأزمات والانتكاسات، ومن ثمّ يصوّر لنا القاص، ما تعرض له البطل من قبل بعض المتشددين دينياً، نتيجة عمله هذا، أستخدم تقنية التداعيات وأستثمرها بشكلٍ جيّد لخدمة ثيمة نصه.rnثانياً- ( فراشات النار) عبد الحسين رشيد العبيدي: إرهابي يحاول تفجير نفسه وسط حشود من الناس، فيعدلُ عن قراره هذا، ويرمي حزامه الناسف في حاوية للنفايات. كان إيقاع الحدث سريعاً متسلسلاً، بطريقةٍ تُحدث نوع من الموائمة بين حركة البطل ومشاعره المستنفرة في تلك اللحظة، مستخدماً أفعال إرادة بصورة متتالية ( أستقل، أرخى، حوّل، أشعل، أحرق)، ثمّ انتقل بالسرد الى أفعال توجس وخوف، تفضي الى قراره بالعدول عن تفجير نفسه (يلتمس، يختبأ، يعجن) ، وكان للعنوان رمزيته للتعبير عن العلاقة الجدلية بين الفراشات والضوء، وهي علاقة قريبة للعلاقة التي ربطت البطل بالموت وفق مخيلته المتطرفة.rnثالثاً- (رجولة امرأة) عبد الله عبد الحسين الميالي: يمنح هذا القاص نصوصه طابعاً مسرحياً ثورياً على غرار مسرح ( برشت) .. من خلال نوع الخطاب السردي، وواقعية الثيمة التي يختارها لنصوصه، وطبيعة اللغة المستخدمة ذات الطابع الحماسي، والتي تحملُ بعداً وطنياً كبيراً، وهذا ما عبّر عنه في نصّه الذي يُحاكي قصة امرأة من محافظة تكريت، تصدت للإرهاب ببسالة وصبر، حين أجتاح مدينتها.rnرابعاً- (النشالة ) علي البدر: على الرغم من إن كاتب هذا النص، حرص على منحه مسحة واقعية من خلال استخدامه للأسماء والإشارة الى الأماكن، إلّا أنهُ حمل رمزية تشير الى الارتباط الفطري للإنسان بأرضه، لذلك جعل من أبطاله مشجباً، علّق عليه أرائه ومشاعره اتجاه وطنه، كان نصاً جميلاً، يخوض في غرائبية وعوالم ساحرة ( سفن، حياة البحارة، مدن تعيش على هامش الحضارة، شخصيات استثنائية). وظّف لها مشاهد وصفية غاية في الإتقان.. سفينة ( النشالة) التي تنقل الماء العذب من موانئ البصرة الى الكويت، كانت محوراً لثيمة أستحضرها القاص من التراث، ليصنع لنا مادة غنية بدوالها وعبرها الآنية.rnخامساً- ( لقاء آخر) فاضل الحمراني: نص تجاوز حدود الزمان والمكان، وأبحر بالماضي القريب، أستخدم فيه القاص تقنية الارتداد، عبر تداعيات نفسية وإرهاصات عاشها البطل وهو يعيش لحظة ندم ووحدة قسرية، فرضتها عليه حياتهُ العبثية التي تسببت بموت أبنته الصغيرة، وهجر زوجته له، مستخدماً الوصف الأدائي، والتكثيف في تصوير المشهد الرئيسي للنص، وهذا الأسلوب تميز به القاص كونه كاتب قصة قصيرة جدّاً، متمكن من أدواته.rnسادساً- ( عروس شنكال) فلاح العيساوي: نص يحاكي مأساة الإيزيديين الذين تعرضوا للقتل والتهجير والسبي على يد الإرهاب، يبدأ النص هادئاً، بلغةٍ جميلة منسابة، ووصف دقيق وجميل للمشهد، يوحي بجمال وروعة المكان، والألفة التي يرتبط بها الناس معه ( مكان أليف)، ثم يتغير إيقاع النص نحو السرعة والإرباك والخوف، ويتحول المكان الى ( مكان عدائي) حين تهاجم داعش قريتهم، مما يُجبر البطلة وحبيبها الى الهرب نحو جبل سنجار طلباً للأمان، لتنتهي القصة بمقتلهما. إنّ هذا الانتقال السريع في إيقاع النص، ورمزية المكان، تنم عن قدرة أمتلكها القاص في التحكم بأدواته السردية، وخبرة تراكمية أكتسبها نتيجة مثابرته على كتابة القصص القصيرة منذُ عدّة سنوات.rnسابعاً- ( نزوع مر) كامل التميمي: نص يسلط الضوء على جدلية تعلق الإنسان بأرضه البكر، أستخدم القاص تقنية الاسترجاع، ليستحضر ماضي البطل في ثنايا حاضره، كان نصاً مفتوحاً، بلغةٍ أنيقة بعيدة عن التعقيد، وتراكيب لغوية حداثوية موحية خدمت ثيمة النص، وظّف له القاص خبرته في عالم السرد، وتمكنه من تقنياته (الارتداد، المونولوج الداخلي، القفز، التلخيص، الوصف). رجلٌ يستذكر حياته الماضية مع أرضه وأهل قريته، ورمزية (الشجرةrnالعجوز) كما أطلق عليها التي كان يجلس تحتها في شبابه مع بعض سكان قريته القديمة، والتي تحولت الى جسرٍ مكاني وزماني، ربطتهُ بهذا الماضي الجميل.rnثامناً- ( باب الطلسم) مزهر جبر الساعدي: نص تاريخي يحكي قصة سقوط بغداد بيد المغول. يمكن إدراج هذا النص ضمن ( المنهج التاريخي) في كتابة القصة، يقول الناقد الجزائري سعيد علوش : ( إن خوض الفن القصصي في التاريخ، هو عملية مواجهة للواقع الذي مضى بواقع حاضر، مُغذّياً تطور حدثيته، انطلاقاً من إعادة تكوين الواقع بمادة رمزية كتابية)، وهنا نجد إن القاص قد تماهى مع هذا المفهوم النقدي، حين أسقط التاريخ، وجعلهُ رمزية لحال بغداد بعد الاحتلال، والفوضى التي خلّفها ورائه.rnتاسعاً- ( أفول) ياسين خضير القيسي: نص مفتوح يحمل دوال رمزية لأرض غطّتها الثلوج لسنينٍ طويلة، لتُشرق عليها الشمس فجأة، لكن سرعان ما عاودتها الظلمة والثلوج مرّة أخرى، أنها محاكاة سردية للواقع العراقي قبل وبعد التغيير، كان القاص متمكناً من لغته ويمتلك أحساس شاعر، حتى بدت قصته أشبه بالقصيدة النثرية.