المتواجدون حالياً :37
من الضيوف : 37
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 74892698
عدد الزيارات اليوم : 804
أكثر عدد زيارات كان : 216057
في تاريخ : 18 /04 /2019
الأثر الاجتماعي - النفسي والتصوري في بنية الومضة القصصية (فقير) )سخروا من ملابسه؛ اتسخت أفواههم) للقاص/ فاضل حمود الحمراني
بتاريخ :
الإثنين 19-09-2016 11:34 مساء
عبد المجيد بَطالي
إن أول ما يلفت نظر المتلقي لخطاب الومضة القصصية، الموسومة بـ (فقير)، هو العنوان الذي يعتبر بوابة النص، ومدخله الرئيس لولوج ما يكتمه المتن (النص الحاضر) من مسكوتٍ نفسي أو اجتماعي أو غيره (النص الغائب)، لذلك فكلمة فقير جاءت للدلالة بصيغة المبالغة على وزن (فعيل) لاسم الفاعل قصد التكثير،
وبذلك دلّت هنا على تلك الصفة المشبَّهة الدالّة على الثبوت من الفعل الثلاثي فقُرَ بمعنى ذلك المحتاج الذي لا يملك ما يكفيه من مال ومأكل ومشرب وملبس.
هذا البطل القصصي هنا هو عبارة عن حالةٍ اجتماعية تعبّر عن شريحة مجتمعية إنسانية تعاني - لا محالة - من العوز والخصاصة، مما يجعلها حسب السارد في متن هذه الومضة عرضة للسخرية والازدراء والاحتقار ممن لا ضمير إنساني لديهم، وحتى يوضح لنا القاص إشكالية بطل ومضته، أتى بجملتين فعليتين، ركّب منهما خطابه السردي، المتألف من معجم تركيبي ودلالي، يصب في صلب الموضوع، لمعالجة ظاهرة اجتماعية - نفسية مركبة ومعقدة في ذات الآن، تتمثل في الصراع الطبقي بين فئتين مجتمعيتين (فقراء =/= أغنياء). بناءً عليه يُحيلنا فعل (سخروا) في الجملة الأولى، والذي يعبر بضمير الغائب (هم) على قوم امتلأت نفوسهم المريضة بالسخرية والتهكم، احتقاراً لهم على دونيتهم وسلوكهم المشين الذي يلفّ دواخلهم الخفية، فيغرفوا منه لتصرفاتهم الظاهرة، والسخرية والازدراء والاحتقار هي عبارات توحي بمزيجٍ مركب من العقد والمشكلات النفسية والاجتماعية التي تتلبس في أو بهؤلاء الأشخاص، فهم يتلذّذون بذلك تنفيساً لكبْتهم ومرضهم، ومن بين ما يستهزؤون منه أسمال الفقراء لأنها بالية وممزقة، تُظهر عيوبهم ولا تستر عورتهم، وهي دالة على الفقر الشديد المدقع، ونلاحظ حرف (من) في الجملة الأولى للتبعيض، للإحالة على أن المستهزئين لا يكتفون بالسخرية من ملابس الفقراء وحسب، بل هم يسخرون من أشياء أخرى سكتت عنها الومضة، تكثيفاً واختزالاً للكثير من الكلام، لكن المتلقي وهو يعيش مع السارد حكاية حالة إنسانية لبطل / فقير ومن خلاله جماعة الفقراء في المجتمع، يُفاجأ في الشطر الثاني من الومضة القصصية، بتصدّر فعل (اتسخـ ... تْ) في زمن الماضي الملتصقة، بضمير تاء التأنيث الساكنة التي لا محل لها في الإعراب، كرد فعل على تصرفاتهم المعيبة، احتقاراً من السارد على سلوك فج وطبع غير مستساغ لشريحة مجتمعية مريضة نفسياً، ونلاحظ لباقة المبدع في الإتيان بالفاعل المباغت للمتلقي (أفواهُـ)...(هُم) مقابل (الملابس)، حيثُ ينتقل بنا من المباشر في الجملة الأولى إلى اللامباشر في الجملة الثانية، ممتطياً في ذلك بلاغياً.. آلية المجاز المرسل، ليبين للمتلقي أن الاتساخ هنا معنوي تصوري، وليس مادي إذ أطلق القاص كلمة (أفواه)، وأراد بها ما ينزل منزلتها، وهو الكلام الخارج من أفوه المستهزئين، لكن يا ليتها كانت الأوساخُ مادية فتغسل وتُطهّر بالماء، لكنها جاءت هنا معنوية أثرها بليغ على النفس.. وهنا أذكر ما قاله الشاعر: يعقوب الحمدوني في هذا السياق :
(جراحات السنان لها التـئـام == ولا يلتام ما جرح اللســان)
نلاحظ الضمير (هم) الملتصق بـ (أفواه) متصل ظاهر تعبيراً عن الالتصاق الشديد بأوسخ ما ينطقون به من كلامٍ جارح في حق هذه الفئة المجتمعية المغلوبة على أمرها.