المتواجدون حالياً :15
من الضيوف : 15
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 64315276
عدد الزيارات اليوم : 3523
أكثر عدد زيارات كان : 216057
في تاريخ : 18 /04 /2019
العراق اليوم في ضيافة الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد.. العراق .. قبل أن نمضي
بتاريخ :
الخميس 11-09-2014 11:03 صباحا
حامد الكيلاني
وانت تقف أمام شقة عبدالرزاق عبدالواحد منتظراً فتح الباب، تأكد ان الشعر سيندلق كالماء على وجهك، وما أكثر طقوس الماء في محرابنا، وقبل الدخول تختصر القطرة بحراً، وحبة القمح حقلاً، وذرة الرمل ساحلاً، والضوء الشاحب في الممر قمراً. وبيت في قصيدة يختصر مجلداً من الاشعار،
هكذا رأيت الرجل ذو الـ(85) عاماً، معه تتجرد من زوائد اللغة، تذهب اليه مجرداً، هكذا من أقصى اليمين الى أقصى اليسار من دون أن تقحم نفسك في توقفات وفواصل، تأخذه بغتة كحفنة من تراب الأرض، فيها ما يستر خجلنا من البحث عن أسباب العناصر أو موجباتها وما يلفها من غموض وأحاجي، وما دمت قد تناوشت أحشاء السطور بالألغاز فلا أسرار اذا رأيت الرجل العنكبوت يتقافز فوق رؤوسنا ملتصقاً بالجدران مرة، وثانية ينطوي مع أنفاس كتاب، هكذا عبدالرزاق عبدالواحد، تهيأ لي أنه كتاب بين غلافي رئة تتنفس، تجاورُ جلاسها وتختلس مفردة لم يتجرأ أحد من قبله أن يُلبِسها رداء المأساة وينزلها عن عرشها الملكي ويطوف بها غريبة في الطرقات، شعثاء، متربة، مسبية، فكإنها سلاسل دمع تهبط بلا أستئذان كجناح طائر القطرس المَهيب، مدمى، لاهثاً، مُعَنَفاً ركبتيه بلا حذر، في كل لثغة عراق، وفي كل ذبحة دمعة، وحده حزن يتمطى على أديم العراق، وخلفه الغرباء يغمضون أبصارهم، ليتجاوز احتضار النعاس على بوابة فجر لقصيدة لم يكتبها بعد.
يالهذا الشاعر الذي يتكئ على حجاب حاجزه، فأذا ذكر العراق قفز الحدود وصال وجال ومال وهوى وأستنطق الحجر الأصم وأسرج خيله وتناخى وتحامل على سنيه أوجعها توبيخاً وقدحا ووخزاً فيستشيط غيظاً مسنداً قامته إذ يقول العراق ويكاد من فرط حبه والغضب أن يقتفي أثر عينيه ويتبعه قلبه وشعبه.. عبدالرزاق عبدالواحد شاعر يتدفق دمعه من لسانه.
الشاعر الرافديني
مالا يقوله الشاعر الرافديني عبدالرزاق عبدالواحد، تتصفحه العيون في حضرته أراه مستبسلاً في الحيرة على العراق وما أصابه، فالغيظ لديه نواح لا يستره، دمه يشي بما خلف جلده فينزّ قصائد وقلائد لجيد أمرأة بابلية وقصائد أقراطاً لملكة آشورية، وقصائد للرعاة على سفوح التاريخ، وقصائد للأنهار والغابات، وللبساتين، للصبا، للحب على مدارج الأسى، للسلم، للحرب، للمقاتلين والمحاربين والمقاومين على جبهات الحياة وخلف متاريس الحروب، للعشاق، لأنطواء خبز الصدقات بخبز الوطن، يا عبدالرزاق، كم قلباً بين جنبيك وكم لساناً في فمك؟
كيف ينام؟
وأنا أسترجع، كيف يخون الأنسان بلاده؟ رأيت عبدالرزاق عبدالواحد لا ينام فرددت: كيف ينام أنسان خارج بلاده؟
عبدالرزاق العراق
الكتب في غرفته الخاصة مبعثرة، وسريره الصغير في غرفته الصغيرة وجسده الصغير في روحه الكبيرة، كل ما يكتب، كل ما يقرأ، كل ما يهدي، كل ما يلقي، كل ما يبكي، هو العراق، لم أشاهد في غرفته سوى العراق!!
أم خالد
على حائط في سكنه القلق، صورة له تجمعه مع أُم أجمل قصائد الحب والغزل في الشعر العربي والعالمي، أُم خالد وضعت أطراف أصابع يدها اليسرى على كتفه فكتب فيها لقاء إتكاء كل عمرها على كتفه، قصائدً تشبه، الى حد بعيد، اندلاع الحب قادماً من الأفق في ليل الأبدية ضاجاً بالحياة منشداً لها أجمل ما تقع عليه عين ويهفو له قلب..
كل شيء لديها ندي
حين لامستها
أورقت في يدي!
ما اوجع أن نكتب شعراً!
منذ تفتحت أولى الكلمات في القلب وأنا أتعجب كيف لا يقضي شاعرٌ مثل عبدالرزاق عبدالواحد نحبه في بيت شعر ومعنى له صفات الإجرام والتربص بقلب يبتهل الى خالقه، أن يكمل القصيدة، ثم ليفعل الله ما يشاء.. أتعجب وأنا اطل على عالم هذا الكائن الذي يتوسد الشعر ويتغمدهُ وينضحهُ في السر وفي العلن، يأكله الشعر، يمضُغُه، يتفننُ في النيل من جسده وصحته، ولا أبالغ إذ أتهم القصائد بملاحقة الشاعر لتنجو إحداها من العدم، وأخرى وبلا توقف، كما المطر من قسوته، ترتوي الأرض وتحيا.
العراق .. قبل أن نمضي
التقيته، لكرمه أكثر من مرة، فأيقنت لماذا قال جبران (إن الدقائق التي جمعتنا هي أعظم من الأجيال) الآن أقولها لشاعرنا العراقي الكوني عبدالرزاق عبدالواحد، وشعرت به يقولها لمن في قلبه وعينيه، لكن الحقيقة ان البلبل الغريد يَبكي ويُبكي، ومن بكائه تتصاعد روح وطن عظيم تمد يدها لتلقي على كتفه أوزار حبٍ ولوعة تنوء الضلوع تحتها باحتمال الرزايا، والوقوف، كل يوم جديد، على أرجوحة تأخذنا.. أعلى.. أعلى من العويل، الى شيء جميل نحبه قبل أن نمضي!!.